الطوارق أو أمازيغ الصحراء، ويلقبون أيضاً «الرجال الزرق» لاستعمالهم الأزرق لباساً، هم من الرحل أو المستقرين في الصحراء الأفريقية الكبرى الممتدة بين الجزائر وليبيا ومالي والنيجر وبوركينا فاسو. يتحدثون اللغة الأمازيغية بلهجاتها التماجقية والتماشقية والتماهقية، واسمهم مشتق من الكلمة الأمازيغية «تارقة»، التي تعني الساقية أو منبع الماء. لكنهم يفضلون تسميتهم «إيماجيغن»، أي الأمازيغ بالعربية، و«إيموهاغ» أي الشرفاء الأحرار، رافضين إطلاق تسمية «البربر» عليهم.
ظل الطوارق إلى عهد قريب خبراء الصحراء الكبرى، العارفين بمسالكها والمؤمّنين لحركة القوافل فيها. أعانهم على ذلك صبرهم وشجاعتهم ومعرفتهم بأماكن الماء وإتقانهم الاهتداء بالنجوم، فـ «الرجل الأزرق» مرتبط بالبيئة والطبيعة بشكل وثيق.
حياة «الرجال الزرق» بسيطة، تعتمد أساساً على تربية الإبل والترحال وتجارة القوافل. فهم إلى يومنا هذا يقايضون قوافل الإبل المحملة بالتمر بقوافل أخرى تأتي من الجنوب محملة بالسكر والشاي. وكانت أيام المقايضة، في النصف الأول من شهر كانون الثاني (يناير) من كل سنة، تجبر القبائل فيما مضى على وقف الغزو والإغارة بعضها على بعض. لكن الوضع تغير الآن مع اندماج الطوارق في المجتمع الحضري، خاصة مع الجهود التي تقوم بها السلطات الجزائرية إزاء سكان الجنوب، من بناء المساكن والأسواق والمدارس ومراكز التداوي، وتزويدهم بالمياه والكهرباء، وتدعيمهم بالأموال لاستصلاح الأراضي الزراعية.
الرجل الملثم والمرأة الحرة
زارت «البيئة والتنمية» منطقة عين أميناس في جنوب الجزائر، إحدى مناطق استقرار الطوارق، للتعرف إلى نمط حياتهم. قال لنا أكليلي أغ أياد، من سكان المنطقة: «ليست هناك إحصاءات دقيقة وموثقة، لكن يقدر أن عدد سكان مجتمع الرجل الأزرق يناهز 3.5 ملايين». وأوضح أن حياة الطوارق يحكمها نظام عتيق من التقاليد والعادات ورثوها عن أجدادهم وفرضتها الطبيعة الصحراوية القاسية. إرثهم قديم من الأدب والعلوم الطبية وعلم الفلك، فهم يتجولون في كامل الصحراء الكبرى مهتدين بالنجوم، ويتداوون بالأعشاب والكي بالنار. وفي حين يستقر البعض في بيوت طينية، تعيش الغالبية في خيام لكثرة الترحال بالإبل. وخيمة الطوارق مصنوعة من أثواب خشنة تغزل من شعر الماعز الذي يعتبر أهم مقاوم لحر الصحراء الصهيب والظروف الطبيعية القاسية.
يتلثم «الرجل الأزرق» دائماً عند تجوله في الخارج بقطعة قماش يصل طولها الى خمسة أمتار تسمى «تاكلموست». فمن العيب في تقاليد مجتمع الطوارق أن يظهر الرجل فمه للآخرين، لدرجة أنه لا يرفع اللثام حتى عند تناول الطعام. وهو ينام بهذه العمامة ولا يتركها في أي وقت من ليل أو نهار.
سألنا الطارقي صالح أغ غالي، الذي كان يحتسي الشاي في عين أميناس، عن حياته اليومية. قال إنه يغيب عن بيته فترات طويلة في رحلات تجارية في الصحراء قد تدوم ستة أشهر أحياناً. وعندما يكون في بيته، ينهض قبل طلوع الشمس برفقة زوجته للصلاة، ثم يتفقدان قطيع الغنم والماعز والإبل، لينطلقا في تحضير فطور الصباح المكون من حليب الإبل والماعز والتمر. ومن الوجبات الرئيسية لحم الإبل والغنم وأصناف تقليدية من العجائن. وهو يمضي بقية يومه في زيارة الأقارب والجيران، مستخدماً الجمال أو سيارات رباعية الدفع لبعد المسافات، بعد نقل أبنائه إلى المدارس الحكومية أو زوايا تعليم اللغة العربية والحساب وحفظ القرآن.
يمنح مجتمع الطوارق المرأة مكانة عالية واستقلالية كبيرة. واللافت أن أشهر شخصية في تاريخهم هي امرأة اسمها تينهنان، مؤسسة مملكة الأهقار في صحراء الجزائر. ولمعرفة المزيد عن الموضوع قصدنا السيدة كريمة بنت وريدة، المسؤولة عن المركز الثقافي في عين اميناس والعضو في مجلس المحافظة. قالت لنا إن سفر الرجل باستمرار وغيابه لأيام أو شهور جعل المرأة الطارقية تعتمد على نفسها في القيام بشؤون العائلة وتربية الأغنام والماعز والإبل واستخراج الماء.
ومع أن المرأة الطارقية محافظة جداً، إلا أن لها أيضاً سلطة القرار وحق التملك واختيار الزوج. والتقاليد في هذا المجتمع تقول إن الزوج هو من يغادر البيت في حالات الطلاق، ولا يحق له أخذ أي شيء معه إلا ما جادت له به طليقته. والنساء في مجتمع الطوارق يفتخرن بالطلاق، والمرأة المطلقة تسمى «الحرة».
هل تستعاد نقاوة الصحراء؟
يقول رئيس بلدية إيليزي الصحراوية محمود قمامة، العضو في البرلمان الجزائري كممثل عن الطوارق، إن قومه مطلعون على مختلف العلوم والتكنولوجيا، لكنهم يرفضون الإضرار بمحيطهم الصحراوي. وأعرب عن اشمئزازه من ممارسات الشركات البترولية والتلوث الكبير الذي تتركه، مبدياً ارتياحاً كبيراً لو تم الاهتمام بالطاقة الشمسية التي تزخر بها المنطقة الصحراوية. وقال إن ذلك يحافظ على بيئة الطوارق ويمكن أن يجعل من مناطق عيشهم في الصحراء نقطة جذب واهتمام تخرجهم من دائرة التخلف التي ألصقت بهم إلى العالمية. وتابع أن جنوب الجزائر الصحراوي بشكل خاص قادر على إنتاج 22 جيغا واط من الطاقة الشمسية، ما يدفع التنمية من دون تلويث. وأضاف أن الطوارق باتوا ينتظرون نفاد النفط لاستعادة هواء الصحراء النقي.
وقد أكدت وزيرة الثقافة الجزائرية خليدة تومي أن وزارتها تبذل جهوداً كبيرة للمحافظة على التراث في المناطق الصحراوية، مبرزة أن التنمية الاقتصادية يجب أن تكون مقرونة بالحفاظ على الموروث الثقافي والتنوع البيولوجي الصحراوي، ما يساهم في تحقيق التنمية المستدامة استجابة لخصوصيات المجتمعات الصحراوية وتطلعاتها.
المصدر:http://www.afedmag.com/
تعليقات
إرسال تعليق